تعليق بريطانيا لتراخيص تصدير الأسلحة لإسرائيل- الدوافع والتداعيات القانونية

المؤلف: د. محمود الحنفي10.11.2025
تعليق بريطانيا لتراخيص تصدير الأسلحة لإسرائيل- الدوافع والتداعيات القانونية

في تطور لافت، علّقت السلطات البريطانية العمل بـ 30 ترخيصًا لتصدير السلاح إلى إسرائيل، وذلك بناءً على تقييم دقيق يشير إلى وجود "خطر جلي" من استعمال المعدات المصدّرة، على غرار الطائرات الحربية، والمروحيات، والطائرات المسيّرة، والتقنيات المستخدمة في عمليات الاستهداف، في ارتكاب انتهاكات صارخة للقانون الإنساني الدولي.

هذا القرار، الذي أتى بعد دراسة متأنية للمخاطر المحتملة لتلك الصادرات، كان ذا طابع رمزي إلى حد ما، حيث لم تتعدَّ نسبة التعليق 10% من مجمل التراخيص. وقد استند القرار البريطاني إلى قوانين راسخة تشدد على ضرورة إيقاف بيع الأسلحة التي يمكن أن تسهم في إحداث خروقات للقانون الدولي الإنساني.

أثار هذا القرار ردود فعل متنوعة؛ ففي حين وصفه الحاخام الأكبر في بريطانيا بأنه "مثير للاستغراب"، عبّر رئيس الوزراء البريطاني الأسبق بوريس جونسون عن تساؤلاته حول مدى انحياز كير ستارمر نحو تحقيق مكاسب لحركة حماس.

ويرى المراقبون أن هذا الإجراء قاصر وغير فعال، إذ تم الإبقاء على حوالي 350 ترخيص تصدير دون أي تعديل. واعتبرت منظمة العفو الدولية هذا القرار "بائسًا إلى أبعد الحدود"، مشيرة إلى استمرار تزويد إسرائيل بقطع الغيار اللازمة لطائرات "إف-35"، وإن كان ذلك بصورة غير مباشرة، بينما وصفته الحملة المناهضة لتجارة الأسلحة بأنه "مخزٍ وغير مبرر".

لماذا اتخذت بريطانيا القرار؟

  • أولًا: الضغوط الجماهيرية والحراك الحقوقي المتصاعد: شهدت المملكة المتحدة في عام 2024 موجة عارمة من المظاهرات الداعمة للفلسطينيين في قطاع غزة، والتي استقطبت حشودًا غفيرة من المتظاهرين في مختلف المدن. ففي العاصمة لندن على سبيل المثال، قُدّرت أعداد المشاركين في بعض المظاهرات الكبرى بما يتراوح بين 50 ألفًا و500 ألف شخص، وفقًا لتقارير إعلامية موثوقة. وشهدت مدن أخرى مثل مانشستر، وغلاسكو، وبرمنغهام تجمعات ضخمة مماثلة، تجاوزت أعداد المتظاهرين فيها عشرات الآلاف. كما شهدت العديد من مصانع الأسلحة التي تتعاون مع إسرائيل احتجاجات شعبية منددة بهذا التعاون.
  • ثانيًا: فوز حزب العمال الساحق في الانتخابات: في الانتخابات البريطانية الأخيرة التي جرت في عام 2024، حقق حزب العمال، بزعامة كير ستارمر، فوزًا عظيمًا مكّن الحزب من الحصول على أغلبية برلمانية قوية، ما أتاح له تشكيل حكومة جديدة وتنفيذ سياساته الخارجية الطموحة. أدت هذه الانتخابات إلى تحول نوعي واضح في السياسة البريطانية، حيث عمد الحزب إلى إعادة تقييم سياسات الحكومة السابقة، بما في ذلك القرار الخاص بفرض حظر جزئي على تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، وكذلك سحب الطلب المقدم إلى المحكمة الجنائية الدولية والتساؤل حول الوضع القانوني لدولة فلسطين. ومما لا شك فيه أن فوز حزب العمال في الانتخابات جاء كرد فعل عكسي من الشعب البريطاني على سياسة حزب المحافظين الداعمة بشكل مطلق لإسرائيل في حربها على غزة.

القانون الدولي يحظر تسليح دول ترتكب جرائم حرب

إن انتهاكات القانون الدولي لا تقتصر بأي حال من الأحوال على الأفعال المباشرة التي تُرتكب على أرض المعركة، بل تشمل أيضًا الدول التي تساهم بصورة غير مباشرة في إذكاء نار الصراع من خلال تزويد أطراف النزاع بالأسلحة والمعدات العسكرية. فوفقًا لأحكام القانون الدولي الإنساني، فإن توريد الأسلحة إلى دولة أو طرف مشارك في نزاع مسلح، كإسرائيل، الدولة القائمة بالاحتلال، مع العلم اليقيني بأنها قد تستخدم في ارتكاب جرائم حرب أو انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، يضع الدولة الموردة تحت طائلة المساءلة الدولية.

وفي حالة المملكة المتحدة، فإن تزويد إسرائيل بالأسلحة والذخائر، في ظل وجود أدلة دامغة على استخدام هذه المعدات في عمليات عسكرية قد ترقى إلى جرائم حرب أو حتى إبادة جماعية، يلقي على عاتقها مسؤولية قانونية دولية. فالقانون الدولي يؤكد بشدة على ضرورة منع تصدير الأسلحة إلى أطراف النزاع عندما يكون هناك خطر واضح من أن هذه الأسلحة ستستخدم في ارتكاب انتهاكات جسيمة. ويُعد هذا الالتزام جزءًا لا يتجزأ من المبادئ العامة التي تلزم الدول بالامتناع عن أي عمل من شأنه أن يساهم في تأجيج الصراع، أو تعزيز انتهاكات القانون الدولي.

موقف القانون الدولي من تزويد الشعوب المحتلة بالسلاح

لقد أثيرت العديد من التساؤلات المشروعة حول إمكانية حصول الشعوب المحتلة أو الخاضعة لأنظمة الفصل العنصري على دعم عسكري من جهات خارجية؛ بغية تمكينها من تحقيق أهدافها المشروعة. وقد انقسمت آراء الدول حيال هذه المسألة، تمامًا كما هو الحال بالنسبة لموقفها من حق الشعوب المستعمرة أو المحتلة في الكفاح المسلح.

وفيما يتعلق بمقررات الأمم المتحدة، يمكن القول إن التوصيات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة "بالإجماع أو التوافق" قد أكدت على الحق في تقديم المساعدة اللازمة للشعوب المناضلة من أجل تحقيق استقلالها وحريتها، إلا أنها لم تشر صراحة إلى تقديم المساعدة العسكرية. وقد سارعت دول عديدة، معظمها من الدول الغربية، إلى تفسير هذه التوصيات تفسيرًا ضيقًا، يقضي بأن المساعدة المقصودة هنا هي المساعدة الإنسانية فقط، وليس المساعدة العسكرية.

ويتسم القانون الدولي بالحياد التام تجاه تقديم دولة ثالثة دعمًا عسكريًا لحركات التحرر الوطني. فالدول لا تمتلك الحق القانوني في تقديم هذه المساعدة، ولكنها في الوقت نفسه لا تخالف أحكام القانون الدولي إذا فعلت ذلك. ومع ذلك، يجب ألا يصل هذا الدعم إلى مستوى التدخل العسكري المباشر. إذ إن إعلان مبادئ العلاقات الودية لعام 1970 يقرّ بحق حركات التحرر الوطني في طلب الدعم بما يتوافق مع ميثاق الأمم المتحدة وأهدافه النبيلة.

إن التدخلات العسكرية المباشرة قد تهدد الأمن والسلم الدوليين، في حين أن التدخل المحدود وغير المباشر قد لا يكون له تأثير كبير. لذلك، تحتفظ الشعوب الواقعة تحت نير الاستعمار، أو أنظمة الفصل العنصري البغيضة بحقها الكامل في استخدام القوة المشروعة؛ لاستعادة حقها الأصيل في تقرير المصير. كما يحق لهذه الشعوب الاستفادة من الدعم الإنساني والمالي وحتى العسكري، شريطة ألا يتخذ هذا الدعم شكل تدخل عسكري مباشر سافر.

ومما لا شك فيه أن جميع فصائل المقاومة الباسلة في الأراضي الفلسطينية المحتلة هي حركات تحرر وطني بكل ما تحمله الكلمة من معنى وفقًا للقانون الدولي، وقد أكدت ذلك قرارات دولية عديدة، من بينها القرار رقم 3379 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 10 نوفمبر/تشرين الثاني 1975، والذي ساوى بين العنصرية والصهيونية واعتبر المقاتلين الفلسطينيين ضمنيًا أفرادًا ينتمون إلى حركات التحرر الوطني.

وقد اشترطت إسرائيل إلغاء القرار 3379 كشرط أساسي لمشاركتها في مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، وتم إلغاء القرار بالفعل بموجب القرار 46/86 الصادر عن الجمعية العامة بتاريخ 16 ديسمبر/كانون الأول 1991.

كما أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا تاريخيًا يدعو إلى تقديم المساعدات والدعم المادي والمعنوي لحركات التحرر الوطني، من بينها القرار رقم (xx/2105) لعام 1965، وقرارات أخرى تطالب أجهزة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المتخصصة بتقديم مثل هذه المساعدات السخية لحركات التحرر الوطني، بما يتماشى مع ميثاق الأمم المتحدة.

وفقًا لأحكام القانون الدولي الإنساني الراسخة، فإن توريد الأسلحة إلى دولة منخرطة في نزاع مسلح، كإسرائيل، مع العلم اليقيني بأنها قد تستخدم في ارتكاب جرائم حرب شنيعة أو انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، يضع الدولة الموردة تحت طائلة المسؤولية الدولية

وقد أضفى القانون الدولي الإنساني حمايته الكاملة على الأراضي الفلسطينية المحتلة وأفراد الشعب الفلسطيني بأكمله، بمن فيهم أفراد فصائل المقاومة الذين يمثلون حركات تحرر وطني، وذلك في مؤتمر الأطراف السامية المتعاقدة في جنيف بتاريخ 15 يوليو/تموز 1999، الذي قرر تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث اعتبر إسرائيل قوة احتلال غاشمة.

كذلك تدعو الفقرة الرابعة من المادة الأولى من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 بوضوح إلى مساعدة "الشعوب التي تكافح ببسالة ضد السيطرة الاستعمارية والاحتلال الأجنبي البغيض وضد الأنظمة العنصرية المستبدة".

لقد أصبحت جميع القواعد الواردة في اتفاقيات جنيف الأربع والبروتوكولين معترفًا بها على نطاق واسع من قبل المجتمع الدولي بأسره، سواء دولًا أو منظمات دولية وإقليمية مرموقة. وقد أصبحت هذه القواعد جزءًا لا يتجزأ من النظام العام في القانون الدولي، وأي سلوك يتعارض معها يعتبر باطلًا بطلانًا مطلقًا لا يمكن تصحيحه حتى باتفاق الأطراف على مخالفته.

إن العلاقات الدولية، ولا سيما فيما يتعلق بالأراضي الفلسطينية المحتلة، تقوم في المقام الأول على اعتبارات سياسية واقتصادية بحتة، ولا تستند إلى قواعد القانون الدولي العام، بما في ذلك الالتزامات الدولية الملقاة على عاتق الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقية جنيف الرابعة.

إن حركات المقاومة الفلسطينية تناضل ببسالة من أجل هدف واضح ومحدد المعالم منذ عشرات السنين، ألا وهو تحقيق تقرير المصير، وبناء دولة مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس الأبية، واسترداد كافة الحقوق التي انتهكها الاحتلال الإسرائيلي الغاشم. والكفاح المسلح هو أحد الوسائل المشروعة المتاحة لاسترداد هذه الحقوق المسلوبة.

إن السلوك الإسرائيلي الميداني على الأرض الفلسطينية المحتلة، والمحاولات المستمرة لتمييع قواعد القانون الدولي الإنساني الراسخة، والتواطؤ الدولي الفاضح حيال كل ذلك، لا يقدح بأي حال من الأحوال في قانونية أعمال المقاومة الفلسطينية المشروعة، ولا يقلل قيد أنملة من قيمة الحقوق التي يسعى الفلسطينيون جاهدين إلى استردادها.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة